في هذه المقالة سوف نتحدث عن نوع من أنواع الحفظ والذي أستخدمة العديد من العلماء في العصور القديمة، كما أستخدمة العديد من الحفاظ والرواة في زمن الصحابة والتابعين وأيضاً إستخدمه الشعراء وعلماء الفقه والنحو وغيرهم سوف نتحدث عن الحفظ الاستدلالي من حيث تقنياته وطريقته وكيفية العمل به وأنواع الذاكرة.
تقنيات الحفظ الأستدلالي
هذا النوع من الحفظ يعتمد بشكل كبير جدا على الحفظ المتقن الخالي من الشك والتردد، هذا النوع من الحفظ برع فيه وأتقنه الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كانوا يحفظون القرآن الكريم حفظاً استدلالياً خالياً من العيوب والأخطاء وخالياً أيضاً من عيوب الحفظ وكان عندهم ثقة كبيرة جدا في حفظهم كما لديهم ثقة كاملة في إبقاء هذا الحفظ بصفة دائمة في الذاكرة ورغبة منهم دائمة في إستخدامه.
كما أن التابعين أيضاً تميزوا بحفظ الصحابة وأيضاً تابعين التابعين أخذوا نفس طريقة حفظهم للقرآن والحديث النبوي الشريف، ثم بعد ذلك حدث أختلاف في عملية الحفظ مع أختلاف النوايا والمقاصد للحفظ فأدى ذلك لظهور العديد من المشكلات فتغيرت النتيجة النهائية على حسب كل شخص ومقاصده، وقد كان الحفظ الاستدلالي يستخدم من قبل الشعراء ورواة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الشعراء يحفظون القصائد بشكل دائم بدون أي تكلف، من علماء الحديث من يقول (( ماسمعت شيئاً إلا حفظته وما حفظت شيئاً فأحتجت إلا إعادته))، لذلك فإن هذا النوع من الحفظ هو حفظ دائم وليس تجريبياً أو تدريبياً أو مؤقتاً فهو لايحتاج إلى مراجعته ولا مدارسته.
يقول الإمام سفيان الثوري رحمة الله عليه (( إذا عشقتم العلم حفظتموه))، منهم من كان يحفظ التفاسير ومنهم من كان يحفظ كتب الفقه والمجلدات حفظاً عن ظهر قلب يستطيع إستخدامه في أي وقت بدون تحضير، وهذه المهارات مهارات قديمة تعتمد بشكل كبير على حب ماتريد حفظه مع الشغف في الحفظ بدون تكلف في الحفظ وتحفظه بتلقائية ويستمر معك لوقت كبير
طريقة الحفظ الاستدلالي
العقل البشري سريع التحليل بشكل كبير ويستطيع تحليل ما تحفظه سواء كنت تريده بشكل دائم أم تريده بشكل مؤقتاً على حسب مقاصد الشخص ونواياه.
فإذا كان حفظك بصفة مؤقته يقوم العقل بإفلاته ووضعه في الذاكرة المكدسة، ولكي يكون بصفة دائمة عليك أن توجه أمر مباشر لعقلك بمقصدك من هذا الحفظ وليس مجرد أمر عابراً فالعقل البشري يستطيع تمييز ما هو صادق ونابع منك بإصرار أو ما تقوله لمجرد خداعه فالعقل البشري ذكي جداً ويستطيع تمييز الحفظ المتقن من القراءة العابرة فيجب أن تكون حازم في قرارك مع الجد والإجتهاد حتى لا يقترب جهاز النسيان من ما حفظته ويكون ما حفظته في واجهة الدماغ وليس في الذاكرة المكدسة.
يقول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى))، وقد جاء في الأثر (( إنما يحفظ المرء على قدر نيته))، وذلك معناه أن إذا كانت نيتك ضعيفة سيكون حفظك ضعيف وإذا كانت نيتك متوسطة سيكون حفظك متوسطاً وإذا كانت نيتك قوية سيكون حفظك قوياً وإذا كانت نيتك حفظاً مؤقتاً سيكون حفظك مؤقتاً وإذا كانت نيتك حفظاً طويل الأمد سيكون حفظك على المدى البعيد فعلى نواياكم ترزقون.
كما يوجد نوع أخر من الحفظ الاستدلالي يسمى بالحفظ السلبي السيء وهو الحقد على الحفظ، وهذا النوع من الحفظ هو من أنواع الذكاء الغير عادي الفائق، فبالرغم من إنه يضر بصاحبه من الناحية النفسية والصحية ويتعبه على المستوى الشخصي والنفسي، إلا إنه يظل راسخاً ودائم لأنه يخزن من ضمن الذكريات المؤلمة السلبية الحزينة التي لا تنسى ويكون إستخدامه أيضاً سلبياً وغير جيد.
أنواع الذاكرة
هناك أنواع عدة للذكرة داخل العقل البشري وهم.
-
الذاكرة الدائمة
وهي الذاكرة الأساسية ويطلق عليها طويلة الأمد وهي المؤرشفة والمنظمة داخل العقل ومعدة للأستخدام من خلال المقاصد والنيات لحفظها، كل معلومة تم تنظيمها داخل أرشيف محدد يسهل الوصول إليه وإستخدامه بدون تخطيط أو عناء التذكر لإستخدامها على المدى البعيد وأيضاً مدى الحياة.
-
الذاكرة المكدسة
وتعتبر الذاكرة المكدسة هي المكتبة الكبيرة جداً التي تحتوي على كل ما مر عليك منذ إن كنت في بطن أمك جنيناً حتى وفاتك من ما حفظ أو سمع أو قرأ، لاكن من الصعب الوصول إليها لأنها غير منظمة وغير مؤرشفة ولا يوجد نية محددة لحفظها، فأي معلومة تدخل عقلك يتم فلترتها وتنظيمها حسب أهميتها ومقدار شغفك بها وعلى قدر شغفك بالموضوع يحدد أي مكان سوف توضع فيه المعلومة دائمة أم مكدسة.
وهنا نستخلص أن مقدار الشغف والأهتمام يعطي الأوامر للعقل سواء لأرشفة المعلومات أم تكديسها.
ففي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(( إذا قام حافظ القرآن به في الليل والنهار حفظه، وإذا لم يقم به نسيه)).
وفي حديث أخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعلقة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت))
فإنك إن عاهدت القرآن وإستخدمته أصبح راسخاً دائم الحفظ حتى الوفاة فيجب عليك جعل القرآن الكريم أسلوب حياة وأن تعاهده وتجعله رفيقاً في دربك وتعاهده أيضاً.
فالحفظ الاستدلالي ليس مجرد حفظاً عادياً مؤقتاً ينفلت بسهولة ولكنه يجب أن يكون أسلوب حياة مستمر معك حتى يصبح من الصعب نسيانه، فالعقل الباطن قادر على التميز والتحليل على مستوى كبير وهائل من الذكاء بناءاً على مقدار شغفك وإصرارك للحفظ وليس مجرد قراءة عابرة وليدة اللحظة ولا تستطيع خداع عقلك مهما بذلت من مجهود كبير لأقناعه لأنه يعتمد بشكل كبير على مشاعرك إتجاه ما تريد حفظه وهل هو محط أهتمامك وحبك، فحب ماتعمل حتى تعمل ماتحب.
الحفظ الاستدلالي يعتمد بشكل كبير على مشاعرك لذلك يجب عليك تصفية ذهنك من المشاعر السلبية التي تعيق عملية الحفظ.
كيفية تصفية الذهن للمساعدة على عملية الحفظ الاستدلالي
- ممارسة الرياضة وتمارين التنفس لإخراج الطاقات والأفكار السلبية من جسدك وعقلك بصفة مستمرة حتى تحصل على ذهن صافي قادر على إستقبال معلومات جديدة.
- شرب الماء بصفة مستمرة وتناول الفاكهة المشبعة بالألياف والبعد عن السكريات الزائدة، حتى تحصل على النشاط الكافي للمساعدة على عملية الحفظ.
- تناول الأطعمة الصحية الغير مؤكسدة والحفاظ على عدد من الوجبات مع ترك الوقت الكافي بين الوجبات حتى يستفيد جسدك وعقلك بالفيتامينات اللازمة.
- تناول وجبات صحية تحتوي على الأوميجا 3 الذي بدوره يساعد على تنشيط الذاكرة.
- تغيير أسلوب حياتك اليومي سواء عن طريق تغيير أماكن الحفظ أو ربط معلومة معينة بعطر معين.
- تدريب عقلك على الحفظ وتلقي المعلومات من خلال التمارين المختلفة لإنعاش عملية الحفظ لديك.
- تنظيم الوقت بتحديد وقت معين للحفظ وإختيار المكان المناسب للحفظ والذي يساعدك على التركيز بشكل كبير.
- حب ما تحفظ حتى تقوم بحفظه ولا يقوم عقلك بإفلاته فعلى مقدار شغفك يأتي حفظك,
- الثقة بالنفس من العوامل المهمة لتثبيت المعلومات بصفة دائمة.
- المشي وشرب الماء مالايقل عن 6 اكواب يومياً يساعد على تنشيط الدورة الدموية للدماغ بشكل كبير.
في هذا المقال تحدثنا عن الحفظ الاستدلالي وأنواعه وطريقته وكيفية العمل به نرجو من الله تعالى أن نكون أفادناكم.
قد يهمك أيضا: رحلة التدوين ، من المحبرة إلى المطبعة