سوف نتحدث اليوم عن أحد علماء الحديث المشهورين وأحد أئمة الجرح والتعديل وعالم في علل الحديث وعلم الرجال والبحث وراءهم لمعرفة المجروحين وغير المؤهلين لرواية الحديث، هو صاحب كتاب السنن أحد الكتب الصحاح الستة والذي لاقى قبول ورضا من أهل السنة والجماعة، وهو الحافظ العلامة المجتهد الذي شهد له جميع علماء عصره بالحفظ والصدق، هو الإمام الترمذي رحمة الله عليه.
وفي هذه المقالة سوف نتحدث عن مولده ونشأته ورحلاته ومكانته العلمية وأنجازاته في الإسلام ووفاته.
مولد الترمذي ونشأته
هو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك، السلمي الترمذي وكنيته أبو عيسى، ولد بمدينة ترمذ وهي مدينة جنوب أوزبكستان وكانت من قبل موصلة مع هرات الأفغانية، ولد سنة 209 هجرياً، وقيل عنه إنه ولد أعمى لاكن العلماء أجمعوا إنه أصيب بالعمى في أواخر أيامه بعد رحلاته وكتابته للعلم.
طلب العلم منذ الصغر فحفظ القرآن الكريم ثم هم بتلقي العلوم الشرعية من خلال مجالس العلم في ترمذ ومن الشيوخ الموجودين ببلدته، وكان من تلاميذ البخاري رحمة الله عليه، شهد له علماء عصره بالعلم والحفظ والأتقان والنقد والمعرفة لعلل الحديث وبالزهد والورع والعبادة.
حتى إنه لغلبة الخوف والخشية من الله كف بصره لكثرة بكائه من خشية الله تعالى، حياته الأسرية لم تصل إلينا وإن دل ذلك دل على نشأته المتواضعة ولكن أيضاً يدل على إنه نشأ في أسرة محبة للعلم، وقد قال عنه الحافظ أبو سعيد الإدريسي: أحد الأئمة الين يقتدى بهم في علم الحديث، صنف الجامع والتواريخ والعلل تصنيف رجل عالم متقن، كان يضرب به المثل في الحفظ.
وقد قال الترمذي عن قوة حفظه.
قال الترمذي: كنت في طريق مكة، فكتبت جزأين من حديث شيخ، فوجدته فسألته،وأنا أظن أن الجزأين معي، فسألته، فأجابني، فإذا معي جزأين بياض، فبقي يقرأ علي من لفظه، فنظر، فوجد معي ورقاً بياض، فقال: أما تستحي مني؟، فأعلمته بأمري، وقلت له أحفظه كله، فقال لي أقرأ: فقرأته عليه، فلم يصدقني، وقال: أستظهرت قبل أن تجيء؟ فقلت له حدثني بغيره، فقال: حدثني بأربعين حديث، ثم قال: هات، فأعدتها عليه ولم أخطأ في حرف.
رحلاته في طلب العلم
أرتحل الترمذي لطلب العلم في سن مبكر فرحل إلى خراسان والعراق والحجاز ولم يرحل إلى الشام ومصر، وحدث هناك عن عديد من شيوخ تلك البلاد وكان أحد تلاميذ البخاري فكان مداوم على حضور مجالس العلم بخراسان وتعلم منه الكثير وحدث عنه كثيراً، وقد من عليه الله بقوة الذاكرة والحفظ فكان يحفظ من الكثير من الأحاديث وكان عالماً بالفقه والسنن.
تتلمذ على يد
تتلمذ على يد الكثير من الشيوخ من خلال رحلاته المتعددة فتتلمذ على يد علماء وشيوخ تلك البلاد المشهورين الذين شهد لهم السلف بالحفظ والصدق، وأشترك مع أقرانه الخمسة أصحاب الكتب المعتمدة في الترحال والحفظ والتدوين ومنهم
- الإمام البخاري.
- محمد بن بشار بن بندار.
- محمد بن المثني.
- عباس بن عبد العظيم العنبري.
- ونصر بن علي الجهضمي.
- الهيثم بن كليب الشاشي صاحب المسند.
وغيرهم الكثيرون .
تتلمذ على يده
تتلمذ على يده الكثيرين من علماء الحديث المشهورين الذين شدوا الترحال إليه لتلقي العلم على يديه، ومنهم.
- أبو بكر أحمد بن إسماعيل السمرقندي.
- أبو حامد أحمد بن عبد الله بن داود المروزي.
- حماد بن شاكر الوراق.
- داود بن نصر بن سهيل البزدوي.
- علي بن عمر بن كلثوم السمرقندي.
- أحمد بن علي بن حسنويه المقريء.
وغيرهم الكثيرون.
إنجازات الترمذي في خدمة الأسلام
تتلمذ الكثيرون من الأئمة المشهورين على يده كان منبراً للعلم يقصده العديد من الطلاب، وكان إمام من أئمة الجرح والتعديل والبحث عن علل الحديث، كانت له العديد من المصنفات والكتب التي أفاد بها الأمة الإسلامية، حفظ مورثات الرسول صلى الله عليه وسلم من الضياع ونقب عن الأحاديث الصحيحة ووضعها بكتابه، وأبتعد عن السقيم منها لذلك صنف كتابه من الكتب الصحاح الستة.
شهادة البخاري للإمام الترمذي: (( قال الترمذي: قال لي محمد بن إسماعيل البخاري (رحمة الله عليه): ما أنتفعت بك أكثر مما أنتفعت))
مؤلفاته
صنف وألف الترمذي العديد من الكتب كانت أهمها.
- كتاب سنن الترمذي
سنن الترمذي والمعروف أيضاً بأسم جامع الترمذي وهو من أهم مؤلفات الترمذي في الحديث النبوي، وهو من الكتب الصحاح الستة ومن كتب السنن الأربعة المشهورة، بلغت أحاديثه 3956 حديثاً وجاء مصنفاً على أبواب، وعلل الحديث والفقه.
وأيضاً أشتمل على بيان الأحاديث الصحيحة والأحاديث السقيمة وما بينهم من مراتب، أيضاً أشتمل على الكنى والأسماء وعلى التعديل والتجريح، ومن عاصر النبي ومن لم يعاصره من حيث الأسناد وتعديد من روى ذلك.
- كتاب الشمائل المحمدية
وهو أحد كتب السيرة النبوية التي ذكر فيها الترمذي صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصف أخلاقه والأداب التي تحلى بها من أجل الأهتداء به عملاً وسلوكاً.
- علل الترمذي الكبير
هو عبارة عن عدة أحاديث يقوم برواياتها الترمذي بأسانيده، ثم يحكم على كل حديث إما من خلال قول حكمه أو قول حكم شيوخه الذين يذكرهم وكان للبخاري الحظ الأوفر من هذه الأحاديث، وقد بلغت النصوص في هذا الكتاب 484 نصاً مسنداً.
- العلل الصغير
هو كتاب ألحق بكتاب السنن الكبير وقد قام بجمع فيه الأحاديث المعللة مرتبه على ترتيب الأبواب الفقهية، وقد بين فيه علة كل حديث.
كما له عدة مؤلفات أخرى منهم ماهو فقد مثل:
- الزهد
- كتاب التفسير
- كتاب التاريخ
- كتاب الأسماء والكنى
أقوال الترمذي
- قال الترمذي: (( صنفت هذا الكتاب وعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان، فرضوا به،ومن كان هذا الكتاب (سنن الترمذي) في بيته، فكأنما في بيته نبي يتكلم))
- قال الترمذي: (( ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثاً قد عمل به بعض الفقهاء، سوى حديث: ((فإن شرب في الرابعة فأقتلوه))، وسوى حديث(( جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، من غير خوف ولا سفر)). )).
قد يهمك أيضا: ابو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أحد فقهاء المدينة
أقوال العلماء والسلف فيه
- قال الحاكم عنه: (( سمعت عمر بن علك يقول: مات البخاري فلم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى، في العلم والحفظ،والورع والزهد، بكى حتى عممي وبقي ضريراً سنين)).
- وقال ايضاً ابن الأثير: (( كان الترمذي إماماً حافظاً له تصانيف حسنة منها الجامع الكبير وهو أفضل الكتب)).
- قال أيضاً ابن العماد الحنبلي: ((كان مبرزاً على الأقران آية في الحفظ والإتقان)).
- وقال أيضاً المزي: (( الحافظ صاحب الجامع وغيره من المصنفات، أحد الأئمة الجفاظ المبرزين ومن نفع الله به المسلمين)).
- مدحه السمعاني بوصفه: (( إمام عصره بلا مدافعة)).
- قال الإمام الذهبي: (( الحافظ العالم صاحب الجامع ثقة مجمع عليه ولا التفات إلى قول أبي محمد بن حزم في الفرائض من كتاب الإيصال أنه مجهول فإنه ما عرف ولا درى بوجود الجامع ولا العلل له)).
- كما ذكره ابن حبان: (( الإمام الترمذي صاحب الجامع من الأئمة الستة الذين حرسوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبحت كتبهم في عالم السنة هي الأصول المعتمدة في الحديث ومن الذين نضر الله وجوههم لأنه سمع حديث رسول الله فأداه كما سمعه)).
- قال عنه أيضاً ابن خلكان: (( الترمذي الحافظ المشهور وأحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث، صنف كتاب الجامع والعلل تصنيف رجل متقن، وبه كان يضرب به المثل، وهو تلميذ أبي عبد الله بن إسماعيل البخاري وشاركه في بعض شيوخه مثل قتيبة بن سعيد وعلي بن حجر وابن بشار وغيرهم)).
- كما قال عنه إسماعيل الهروي: ((جامع الترمذي أنفع من كتاب بخاري ومسلم، لأنه لا يقف على الفائدة منهما إلا المتبحر العالم، والجامع يصل إلى فائدته كل أحدٍ))
- وقال عنه أبو يعلى الخليا بن عبد الله الخليلي القزويني: (( محمد بن عيسى بن سورة الحافظ متفق عليه له كتاب في السنن وكلام في الجرح والتعديل روى عنه ابن محبوب والأجلاء وهو مشهور بالأمانة والعلم)).
- قال عنه أبن كثير رحمة الله عليه: (( الترمذي أحد أئمة الحديث في زمانه، وله المصنفات المشهورة، منها الجامع والشمائل وأسماء الصحابة وغير ذلك وكتاب الجامع أحد الكتب الستة التي يرجع إليها العلماء)).
كل العلماء والفقهاء في عصره وحتى وقتنا الحالي أجمعوا على صدقه وحسن روايته للحديث وحفظه.
قد يهمك أيضا: ابو سلمه بن عبد الرحمن بن عوف
وفاته
توفي الترمذي في بلدة ترمذ يوم الأثنين 13 رجب عام 279 هجرياً وكان عمره حينها سبعين عاماً.
قد يهمك أيضا: ابان بن عثمان (علمه – حياته – انجازاته – مرضه ووفاته)
المصادر:
قوت المغتذي للسيوطي.
سير أعلام النبلاء للذهبي.
البداية والنهاية لأبن كثير.
تهذيب الكمال للمزي.
وفيات الأعيان لأبن خلكان.
شذرات الذهب لأبن عماد الحنبلي.
الكامل في التاريخ لأبن أثير.