لقد أنعم الله على الدين الإسلامي بالكثير من الأئمة والفقهاء والعلماء الذين عملوا على نصرة هذا الدين، فاحترمه هؤلاء العلماء وأجلوه، وقدموا للدين ونصرته ما لم يقدمه غيرهم، فكان العلم والعلماء من نقاط قوة الدين الاسلامي والذي استهلها مما قُدم من علم ديني بواسطة هؤلاء العلماء والفقهاء أو المحدثين، وأبدع المحدثين أيضاً في رواية الحديث إذ تبينوا صحة الأحاديث قبل روايتهم لها، واجتهدوا فى تقديم الكثير للدين الإسلامي عن طريق هذا التدبر والتفكر في الحديث وصحته، وكان واحداً من أبرز هؤلاء الفقهاء والمحدثين هو ابن خزيمة .
والذي اشتهر بعلمه وجدارته للحديث في علم الدين، اذ قدم للدين الاسلامي ما قدمه القليل من العلماء وتميز باحترام هذا الدين والاجتهاد في تقديم العلم، بالإضافة إلي ذلك فقد روي العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، وعمل على نصرة الدين الاسلامي بعلمه وأدبه علاوة على أخلاقه الحميدة الذي اتصف بها وعُرف بها، وخلال هذا المقال سنتحدث في هذه الشخصية الدينية الجليلة وسنتطرق إلى ما قدمه من علم بالإضافة إلى التحدث في حياته ومولده ونشأته.
ابن خزيمة
هو محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري الشافعي المكنى بأبي بكر، كان فقيهاً حافظاً للحجة، ولقب بشيخ الإسلام، وإمام الأئمة، وصاحب أحد أبرز المؤلفات في علم الحديث النبوي الشريف ألا وهو كتاب صحيح ابن خزيمة
مولده ونشأته
ولد ابن خزيمة بنيسابور سنة 223ه وكانت نشأته نشأة دينية على أخلاق الدين الإسلامي الحميدة و أحب العلم وقدره تقديراً وخاصة علم الحديث حيث اهتم ابن خزيمة بدراسة الحديث النبوي الشريف منذ صغره ببلدته الأم نيسابور وأراد أن يرتحل صغيراً لسماع الحديث النبوي الشريف ودراسته ، وكان يرغب في الذهاب إلى قتيبة بن سعيد ليعلمه الحديث، فاستأذن أباه، فأجابه: «اقرأ القرآن حتى آذن لك بالذهاب». فحثه أبوه على حفظ القرآن الكريم وتدبر معانيه، فحفظ القرآن الكريم في سن صغيرة، ويقول ابن خزيمة عن نشأته: «فاستظهرت القرآن، فقال لي: امكث حتى تصلي بالختمة. فمكثت، وبعد ذلك أذن لي، فخرجت إلى مرو وسمعت من محمد بن هشام فنعى إلينا قتيبة بن سعيد»، وبعد ذلك انتقل الى العديد من بلاد المسلمين لسماع الحديث ودراسة الفقه، وخلال رحلاته العلمية اتسعت دائرة طوافه حتى شملت الشرق الإسلامي بأكمله.
فرحل إلى مصر والشام والحجاز والعراق، فاستفاد من علماء هذه البلدان أجل استفادة فسمع منهم وأنصت لعلمهم وكتب عنهم ، حتى أصبح هو إمام الحديث في عصره وفى العالم الإسلامي في كل العصور، فقد كان ابن خزيمة بحرًا من بحور العلم، فكتب الكثير وصنف الكثير وجمع الكثير أيضًا، وكتابه في علم الحديث من أنفع كتب الحديث وأجلها، وصار يضرب به المثل في سعة العلم والإتقان، وتتلمذ على يديه الكثير من الأئمة والفقهاء في علم الحديث، وكان كل هذا هو نتاج نشأته الدينية وتربيته الدينية السليمة منذ ولد في نيسابور.
علم ابن خزيمة
تعلم ابن خزيمة العلم صغيراً فكان له حظاً وافر من تدبر الكثير من العلوم في وقته، فتعلم القرآن الكريم وتدبر الحديث النبوي الشريف فأحسن حفظه، كما تدبر علوم تفسير القرآن الكريم، وكان أيضاً معروفاً بشجاعته الأدبية فكان لا يهاب الولاة أو الأمراء، وناقش العديد من العماء واختلف معهم.
أقوال العلماء فيه
لقد كان علم ابن خزيمة جديراً بالثناء والمحبة، فقد قال فيه العديد من الفقهاء الكلمات الحسان وأثنوا عليه ثناءاً شديداً، ومن بعض ما قيل فيه:
- قال عنه ابن حبان: ” ما رأيت على وجه الأرض على مر الأزمن من يحسن صناعة السنن النبوية ويحفظ ألفاظها، الصحاح وزياداتها، حتى كأن السنن كلّها بين عينيه، إلا محمد بن إسحاق ابن خزيمة “
- وقال عنه الذهبي: ” ابن خزيمة هو الحافظ الكبير، والذي انتهت إليه الإمامة وانتهي إليه الحفظ في عصره بخراسان
- وقال عنه أيضا: إن ابن خزيمة هو أحد أئمة هذه الدنيا فقهاً وعلماً
- قال عنه ابن كثير: ” إن ابن خزيمة هو من المجتهدين في دين الإسلام “
- وقال النووي والذهبي عنه: ” إن ابن خزيمة هو الحافظ الحجّة والذي يعتمد عليه في العلم الديني “
- وقال عنه أبو علي الحسين بن محمد الحافظ: ” لم أر في حياتي مثل محمد بن إسحاق ابن خزيمة فقد كان يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارئ السورة
- وقال عنه الدارقطني: ” لقد كان ابن خزيمة إماما قوياً ثبتا معدوم النظير وقل من جاء مثله “
- وقد قال عنه ابن أبي حاتم حينما سأل عن ” ابن خزيمة “: ” ويحكم. هو من يُسأل عنا ولا نُسأل عنه، وهو إماماً عظيماً يُقتدي به ” وهذا إن دل فإنما يدل على قوة حفظه.
إنجازاته في خدمة الإسلام
أنجز بن خزيمة العديد من الإنجازات لخدمة الدين الإسلامي، فعلاوة على روايته للعديد من الأحاديث النبوية الشريفة، إلا أنه قد ألف العديد من المؤلفات والتي تزيد على مائة وأربعين كتاباً، والتي ما زالت تفيد المجتهدين في علوم الدين إلى يومنا هذا.
بعض مؤلفات ابن خزيمة
- صحيح ابن خزيمة
- التوحيد لابن خزيمة
- فوائد الفوائد لابن خزيمة
بعض شيوخه
تعلم ابن خزيمة على يد الكثير من الأئمة والفقهاء الفقه والحديث والتفسير، وسمع للعديد من المشايخ فى عصره وكتب عنهم الحديث النبوي الشريف، ولم يقتصر ما أخذه عن هؤلاء الأئمة والفقهاء على ما أخذه من علم وافر فقط، بل أخذ منهم أيضاً الكثير من الصفات الحميدة كالصبر في طلب العلم وحسن المعاملة والنقاش الحسن، واشتهر بكل هذه الصفات الحميدة فقال فيه الأئمة والفقهاء قولاً كثيراً وأثنوا عليه ثناءاً عظيماً لما أخذه من علماؤه وانتفع به، ومن أبرز العلماء والشيوخ الذي أخذ عنهم علم وافر وصفات حسنة وروى عنهم الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة:
- إسحاق بن راهوية
- علي بن محمد
- محمد بن مهران
- عبد الجبار بن العلاء
- موسى بن سهل الرملي
قد يهمك أيضا: سالم بن عبدالله بن عمر (علمه – انجازاته في خدمة الإسلام)
بعض تلاميذه
تعلم الكثير من المحدثين والأئمة والفقهاء والذين كانوا تلاميذاً حينها على يد الإمام ابن خزيمة، فأفادهم بعلمه الغزير وثقافته الغير محدودة أفادهم أيضاً بالحديث الذي حفظه، وعلمهم الصدق فيما ينقلون و أوصاهم بأن دين الله عز وجل يستحق بأن يخدم بالعلم الديني وخاصة علم الحديث، فعاونهم على الحفظ والأدب و قدم له علماً جليلاً قما يقدمه أحدهم، واستفادوا أيضاً من أخلاقه الدينية الحميدة والتي أخذها من القرآن الكريم والسنة النبوية فكان ينفذ تعاليم الدين الإسلامي ويعرض عن نواهيه كما عرف عنه، ومن أبرز التلاميذ الذي تعلمت على يده ونقلت عنه العلم الديني أو روت عنه الحديث النبوي الشريف:
- محمد بن عبد الله بن عبد الحكم
- ويحيى بن محمد بن صاعد
- أبو علي النيسابوري
- أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة
- كما روي عنه البخاري ومسلم خارج الصحيحين
قد يهمك أيضا: القاسم بن محمد ( علمه – مواقف من حياته – انجازاته في الإسلام)
وفاته
توفي ابن خزيمة في الثاني من ذي القعدة سنة 311هـ عن عمر يناهز تسع وثمانين سنة.
قد يهمك أيضا: الإمام الزهري التابعي (علمه – ثناء العلماء عليه – انجازاته )
المصادر:
علوم الحديث لإبن الصلاح
سير أعلام النبلاء للذهبي 9:236ب
المنتظم لسبط ابن الجوزي 6:184
طبقات الشافعية الكبرى 3:110
الإرشاد للخليلي ق172أ